فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الزَّكاةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هِيَ : الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } , فَأَبَانَ أَنَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَكَاةً . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ; [ يَعْنِي ] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي سَبِيلِهِ الَّتِي , فَرَضَ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا . فَأَمَّا دَفْنُ الْمَالِ : فَضَرْبٌ [ مِنْ ] إحْرَازِهِ , وَإِذَا حَلَّ إحْرَازُهُ بِشَيْءٍ : حَلَّ بِالدَّفْنِ وَغَيْرِهِ . وَاحْتَجَّ فِيهِ : بِابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : النَّاسُ عَبِيدُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , فَمَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . } فَكَانَ فِيمَا آتَاهُمْ , أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَكُلٌّ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ , ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) . وَكَانَ فِيمَا , فَرَضَ عَلَيْهِمْ , فِيمَا مَلَّكَهُمْ : زَكَاةٌ ; أَبَانَ : [ أَنَّ ] فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ فِي وَقْتٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) . , فَكَانَ حَلَالًا لَهُمْ مِلْكُ الْأَمْوَالِ , وَحَرَامًا عَلَيْهِمْ حَبْسُ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا غَيْرَهُمْ فِي وَقْتٍ , كَمَا مَلَّكَهُمْ أَمْوَالَهُمْ , دُونَ غَيْرِهِمْ فَكَانَ بَيِّنًا فِيمَا وَصَفْتُ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } أَنَّ كُلَّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ حُرٍّ لَهُ مَالٌ فِيهِ زَكَاةٌ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ , فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ . وَإِنَّمَا قَصَدَ : إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ حِنْطَةٍ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ : الدُّعَاءُ لَهُمْ عَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحُقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُو لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ : آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهَا لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو ; قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ مِمَّنْ لَكُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ , فَلَا تُنْفِقُوا مِمَّا لَمْ تَأْخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي [ لَا ] تُعْطُوا مَا خَبُثَ عَلَيْكُمْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : وَعِنْدَكُمْ الطَّيِّبُ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الصِّيَامِِ
قَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } , ثُمَّ أَبَانَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ : شَهْرُ رَمَضَانَ ; بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ; إلَى قوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] لَا يَجِبُ صَوْمٌ إلَّا صَوْمَ رَمَضَانَ وَكَانَ عِلْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ وَزَادَ ; قَالَ : فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ , فَرْضَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ : شَهْرُ رَمَضَانَ وَكَانَتْ الْأَعَاجِمُ : تَعُدُّ الشُّهُورَ بِالْأَيَّامِ , لَا بِالْأَهِلَّةِ وَتَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْحِسَابَ إذَا عُدَّتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ يَخْتَلِفُ . فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ : الْمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ , وَذَكَرَ الشُّهُورَ , فَقَالَ : { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّهُورَ لِلْأَهِلَّةِ إذْ جَعَلَهَا الْمَوَاقِيتَ لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْأَعَاجِمُ مِنْ الْعَدَدِ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ذَلِكَ , عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ : تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ , فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَهِلَّةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا الْعَبَّاس أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) فِي فَرْضِ الصَّوْمِ : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } إلَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ , فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا مَرْضَى وَمُسَافِرِينَ , وَيُحْصُوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ . وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ , وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا إذَا مَضَى السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ( وَيَحْتَمِلُ ) أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا ; لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ , وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً , لَا مُفَرَّقَةً . وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفَرَّقَتَيْنِ , فَأَمَّا آيَةٌ فَلَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ , [ يَسْتَأْنِفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ ] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ عِلْمنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرٍ : قَضَاهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ , أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } , فَقِيلَ : { يُطِيقُونَهُ } كَانُوا يُطِيقُونَهُ , ثُمَّ عَجَزُوا , فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ : طَعَامُ مِسْكِينٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ ( وَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ . ) قَالَ : ( وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ ) : أَنْ يُجْهِدَهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ . وَكَذَلِكَ : الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ : [ إنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً : أَفْطَرَ , وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ . وَالْحَامِلُ ] إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا : [ أَفْطَرَتْ ] وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ : إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( [ رِوَايَةُ ] الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا , مَنْ نَقَلُوا إذَا سُئِلَ [ عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ] : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فَكَأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ الْفِدْيَةُ .
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ : جِمَاعُ الْعُكُوفِ مَا لَزِمَهُ الْمَرْءُ , فَحَبَسَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ , بِرًّا كَانَ أَوْ مَأْثَمًا , فَهُوَ عَاكِفٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } , وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى [ حِكَايَةً ] عَمَّنْ رَضِيَ قَوْلَهُ : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } قِيلَ : فَهَلْ لِلِاعْتِكَافِ الْمُتَبَرَّرِ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } , وَالْعُكُوفُ فِي الْمَسَاجِدِ : [ صَبْرُ الْأَنْفُسِ فِيهَا وَحَبْسُهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ ] .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْحَجِّ
وَفِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ , فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ , هِيَ : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةُ . قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : حُجُّوا ; فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ , بِمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ : وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : كُفْرٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا . كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ , يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ . قَالَ : وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَانَ كَافِرًا . وَهَذَا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } . وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ . أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ , فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ . أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ , أَطَاعَهُ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ : الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ . فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ : خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى , مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ( الرِّسَالَةِ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ : تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ , بِأَدَائِهَا : نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [ بِهَا ] . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ : النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا , أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ , لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا , إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه , مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ . وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ] . وَتَوْفِيقُهُ : نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ : الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ , وَعَطَاؤُهُ : الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ : الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ .
وَفِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ , فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ , هِيَ : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةُ . قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : حُجُّوا ; فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ , بِمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ : وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : كُفْرٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا . كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ , يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ . قَالَ : وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَانَ كَافِرًا . وَهَذَا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } . وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ . أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ , فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ . أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ , أَطَاعَهُ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ : الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ . فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ : خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى , مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ( الرِّسَالَةِ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ : تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ , بِأَدَائِهَا : نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [ بِهَا ] . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ : النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا , أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ , لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا , إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه , مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ . وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ] . وَتَوْفِيقُهُ : نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ : الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ , وَعَطَاؤُهُ : الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ : الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } . قَالَ : أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ . وَلَا يُفْرَضُ الْحَجُّ [ إلَّا ] فِي شَوَّالِ كُلِّهِ وَذِي الْقَعْدَةِ كُلِّهِ , وَتِسْعٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ . وَلَا يُفْرَضُ إذَا خَلَتْ عَشْرَةُ ذِي الْحِجَّةِ , فَهُوَ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ , وَالْحَجُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ .
وَقَالَ فِي قوله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فَحَاضِرُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُوَ : كُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ دُونِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ , دُونَ لَيْلَتَيْنِ ( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } . قَالَ : أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ .
( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَلَا يَجِبُ دَمُ الْمُتْعَةِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) يَقُولُ : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ : التَّمَتُّعُ بِالْإِهْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَكْمَلَ التَّمَتُّعَ وَمَضَى التَّمَتُّعُ , وَإِذَا مَضَى بِكَمَالِهِ : فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُهُ . وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَحْنُ نَقُولُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ ( وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ) , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ , فَإِذَا لَمْ يَصُمْ : صَامَ بَعْدَ مِنَى : بِمَكَّةَ أَوْ فِي سَفَرِهِ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَسَبْعَةً فِي الْمَرْجِعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ نا هِشَامٌ عَنْ طَاوُوسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ : الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } , وَقَدْ { طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : سَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ , نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } أَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ بِحِلَاقِ الشَّعْرِ : لِلْمَرَضِ , وَالْأَذَى فِي الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي الْحَجِّ فِي أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا : وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ فَرْضُهُ : إنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ , أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ , وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ . فَقَالَ : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } . فَكَمَا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِيِّ بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ : وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى . ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } إلَى [ قَوْلِهِ ] : { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمَثَابَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْمَوْضِعُ يَثُوبُ النَّاسُ إلَيْهِ وَيَئُوبُونَ يَعُودُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ . وَقَدْ يُقَالُ : ثَابَ إلَيْهِ : اجْتَمَعَ إلَيْهِ , فَالْمَثَابَةُ تَجْمَعُ الِاجْتِمَاعَ وَيَئُوبُونَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ : رَاجِعِينَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ , وَمُبْتَدَئِينَ . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ , يَذْكُرُ الْبَيْتَ : مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا تَخُبُّ إلَيْهِ الْيَعْمُلَاتُ الذَّوَابِلُ وَقَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّصْرِيُّ فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أَوَّلُونَ فَآخِرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : [ آمِنًا ] مَنْ صَارَ إلَيْهِ : لَا يُتَخَطَّفُ اخْتِطَافَ مَنْ حَوْلَهُمْ . وَقَالَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : سَمِعْتُ [ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى ] مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَمَّا أَمَرَ بِهَذَا , إبْرَاهِيمَ ( عليه السلام ) : وَقَفَ عَلَى الْمَقَامِ وَصَاحَ صَيْحَةً عِبَادَ اللَّهِ ; أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ . فَاسْتَجَابَ لَهُ حَتَّى مَنْ [ فِي ] أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ . فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ بَعْدَ دَعْوَتِهِ , فَهُوَ : مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُ وَوَافَاهُ مَنْ وَافَاهُ , يَقُولُ : لَبَّيْكَ دَاعِيَ رَبِّنَا لَبَّيْكَ . وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ : وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ إجَازَةً وَمَا قَبْلَهُ قِرَاءَةً .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْئًا وَهُوَ مُحْرِمٌ , فَقَالَ : مَنْ قَتَلَ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ , شَيْئًا : جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَوَابِّ الصَّيْدِ . فَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَا مِثْلَ لَهُ وَمِثْلُهُ : قِيمَتُهُ . إلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ : اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ : شَاةٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ وَاحِدٌ لَا أَمْثَالٌ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قُتِلُوا صَيْدًا : جَزَوْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالٍ ؟ , وَجَرَى فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ : فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَقَّتَةٌ , وَالْمِثْلُ : غَيْرُ مُوَقَّتٍ , فَهُوَ بِالدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَشْبَهُ . وَاحْتَجَّ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ فَفِي جَزَاءِ دَوَابِّ الصَّيْدِ , دُونَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ; [ فَقَالَ ] : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } , وَ [ قَدْ ] حَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَعُثْمَانُ [ وَعَلِيٌّ ] وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ ( رضي الله عنهم ) فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ , وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ , وَالنَّعَامَةُ لَا لَا تُسَاوِي بَدَنَةً وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي بَقَرَةً , وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْهَا أَضْعَافًا وَمِثْلَهَا وَدُونَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفَرَةٍ , وَهُمَا لَا يُسَاوَيَانِ عَنَاقًا وَلَا جَفَرَةً . فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَّرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ . شَبَهًا بِالْبَدَنِ [ مِنْ النَّعَمِ ] لَا بِالْقِيمَةِ . وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ : لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ ; لِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ مَا يُقْتَلُ فِي الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ [ فِي ] قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قُلْتُ [ لَهُ ] مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ . قَالَ : وَأَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : رَأَيْتُ النَّاسَ يَغْرَمُونَ فِي الْخَطَإِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ عُمَرَ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما ) : فِي رَجُلَيْنِ أَجْرَيَا فَرَسَيْهِمَا , فَأَصَابَا ظَبْيًا : وَهُمَا مُحْرِمَانِ , فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ وَقَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } . وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَالْمَنْعُ عَنْ قَتْلِهَا عَامٌّ , وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْغُرْمِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ النَّاسِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : أَصْلُ الصَّيْدِ : الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يُسَمَّى صَيْدًا . أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْسِلُونَهَا عَلَى مَا يُؤْكَلُ . أَوَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وَقَوْلُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ؟ , فَدَلَّ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِحْرَامِ : [ مِنْ ] صَيْدِ الْبَرِّ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ : [ أَنْ ] يَأْكُلُوهُ زَادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لِأَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَ فِي الْإِحْرَامِ خَاصَّةً , إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ . فَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الْحَلَالِ : فَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ كَافٍ مِنْهُ . قَالَ وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْعَقْرَبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ . وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ قَتْلَ مَا أَضَرَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمٌ : عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَا يُفِيدُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ , إلَّا : [ مَا ] يُؤْكَلُ لَحْمُهُ .
( وَفِيمَا أَنْبَأَ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ الْعَبَّاسَ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ [ فِي ] قَوْلِ اللَّهِ : { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } ; قَالَ عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قُلْتُ : وَقَوْلُهُ : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } [ قَالَ : وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ] وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ . وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي ذَلِكَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ وَالزِّنَا وَمَا فِيهِمَا وَفِي الْكُفْرِ : مِنْ الْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } . وَمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحُدُودِ فِي الدُّنْيَا [ قَالَ ] : [ فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ ] : دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النِّقْمَةَ فِي الْآخِرَةِ , لَا تُسْقِطُ حُكْمًا غَيْرَهَا فِي الدُّنْيَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ نَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ أَوْ ; لَهُ أَيَّةٌ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إلَّا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } , فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ , فِي الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ . وَرَوَاهُ ( أَيْضًا ) سَعِيدٌ [ عَنْ ] ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاءٍ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ : أَوْ أَوْ يَخْتَارُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفِدْيَةِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ( وَأَنَا ) أَبُو زَكَرِيَّا نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ [ قَالَ ] : قُلْتُ لِعَطَاءٍ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } ؟ قَالَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَمٍ ( يُرِيدُ : الْبَيْتَ ) كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ . فَأَمَّا الصَّوْمُ ( فَأَخْبَرَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ جَزَاهُ بِالصَّوْمِ : [ صَامَ ] حَيْثُ شَاءَ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ , فِي صِيَامِهِ . وَاحْتَجَّ [ فِي الصَّوْمِ ] فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاس عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ , فَقَالَ : أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ . وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَكَانَ عَلَى بَدَنِ الرَّجُلِ فَكَانَ عَمَلًا بِغَيْرِ وَقْتٍ فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَ [ هـ ] اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْقُرْآنِ , فَقَالَ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } نَزَلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) [ بِعَدُوٍّ ] فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ , مَرَضٌ حَابِسٌ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ . لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحَائِلِ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ , مَعْنَاهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي الْحِلِّ وَقَدْ قِيلَ : نَحَرَ فِي الْحَرَمِ . وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ : وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ : { وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } , وَالْحَرَمُ : كُلُّهُ مَحِلُّهُ ; عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ . فَحَيْثُ مَا أُحْصِرَ [ الرَّجُلُ : قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ; بِعَدُوٍّ حَائِلٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَدْ أَحْرَمَ ] : ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ; فَيَحُجُّهَا . مِنْ قِبَلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وَقَالَ : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ صَيْدٌ فِي بِئْرٍ كَانَ أَوْ فِي مَاءِ مُسْتَنْقِعٍ , أَوْ عَيْنٍ وَعَذْبٍ وَمَالِحٍ , فَهُوَ بَحْرٌ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ ; مِنْ حُوتٍ أَوْ ضَرْبِهِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ [ أَكْثَرَ ] عَيْشِهِ فَلِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يُصِيبَهُ وَيَأْكُلَ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّهُ يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فِيهِ [ فَهُوَ ] مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ إذَا أُصِيبَ جُزِيَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَاسَرْجِسِيِّ فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ سُفْيَانَ أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تعالى ) فِي قوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } . قَالَ : كَانَتْ قُرَيْشٌ وَقَبَائِلُ لَا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ الْحُمْسُ , لَمْ نُسَبَّ قَطُّ وَلَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَيْسَ نُفَارِقُ الْحَرَمَ . وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ , فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ . قَالَ : وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ كُلِّهَا , وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ مِنًى , فَقَطْ . زَادَ كِتَابُ الْبُوَيْطِيِّ : وَيُظَنُّ [ أَنَّهُ ] كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
جَائِزا الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ . عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } . فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعٍ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ : جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ . عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا . وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه . ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ . فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي أَحْكَمَ اللَّهُ , فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ , وَبَيَّنَ : كَيْفَ هِيَ ؟ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مَا أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ مِنْهُ , وَمَا حَرَّمَ أَوْ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا . أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَبَاحَهُ , إلَّا مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ , كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ : لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ لَبِسَهُمَا عَلَى , كَمَالِ الطَّهَارَةِ . وَأَيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ فَقَدْ أَلْزَمهُ اللَّهُ خَلْقَهُ , بِمَا , فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ بُيُوعٍ : تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ مِنْ الْبُيُوعِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ دُونَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِهِ ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } , وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } . قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الرَّهْنَ : إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِيهَا : أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ : احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ . لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ } ; يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً . وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ : قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } , وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } . قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الرَّهْنَ : إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِيهَا : أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ : احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ . لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ } ; يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً . وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ : قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . قَالَ فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ : الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ . فَالْبُلُوغُ : اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ] . إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ , أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ : قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , فَيَكُونُ ذَلِكَ : الْبُلُوغُ . قَالَ : وَالرُّشْدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ : حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ . [ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ ] بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَمَرَ اللَّهُ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ . وَقَالَ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا [ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ : أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ الرِّجَالِ مَا وَجَبَ لَهُمْ ] , وَأَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُو عَنْ مَالِهَا . وَنَدَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى . وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , مَا وَجَبَ لَهُ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } . فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ : إيتَاءَهُنَّ مَا فُرِضَ لَهُنَّ وَأُحِلَّ لِلرِّجَالِ : كُلُّ مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا وَاحْتَجَّ ( أَيْضًا ) بِآيَةِ الْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ وَبِآيَةِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ : وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا : كَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَتْ , بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَثْبَتَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ [ هُوَ ] وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَقَامَهُ . قَالَ : وَقَدْ قِيلَ : الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يُحْتَمَلُ : [ أَنْ يَكُونَ ] الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ . وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) وَلَا يُؤْجَرُ الْحُرُّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ }
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } . فَهَذِهِ : الْحُبُسُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونَهَا , فَأَبْطَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُرُوطَهُمْ فِيهَا , وَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبْطَالِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إيَّاهَا وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ إذَا نُتِجَ , فَحْلُ إبِلِي , ثُمَّ أَلْقَحَ , فَأُنْتِجَ مِنْهُ فَهُوَ : حَامٍ . أَيْ : قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ , فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ . وَيُجْعَلُ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْعِتْقِ لَهُ وَيَقُولُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ عَلَى مَعْنًى يُوَافِقُ بَعْضَ هَذَا . وَيَقُولُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ : لَا يَكُونُ لِي وَلَاؤُكَ , وَلَا عَلَيَّ عَقْلُكَ وَقِيلَ أَنَّهُ ( أَيْضًا ) فِي الْبَهَائِمِ : قَدْ سَيَّبْتُك . فَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالِحَامِ إلَى مَالِكِهِ : وَأَثْبَتَ الْعِتْقَ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ : لِمَنْ أَعْتَقَ [ السَّائِبَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِمِثْلِ حُكْمِ النَّسَبِ . ] وَذَكَرَ فِي كِتَابِ : ( الْبَحِيرَةِ ) . فِي تَفْسِيرِ الْبَحِيرَةِ : أَنَّهَا : النَّاقَةُ تُنْتَجُ بُطُونًا , فَيَشُقُّ مَالِكُهَا أُذُنَهَا , وَيُخْلِي سَبِيلَهَا , [ وَيَحْلُبُ لَبَنَهَا فِي الْبَطْحَاءِ ] , وَلَا يَسْتَجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِلَبَنِهَا . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ تِلْكَ خَمْسَةَ بُطُونٍ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْبُطُونُ كُلُّهَا إنَاثًا قَالَ وَالْوَصِيلَةُ : الشَّاةُ تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ , فَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الْأَبْطُنِ الَّتِي وَقَّتُوا لَهَا قِيلَ : وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ الْخَمْسَةَ عَنَاقَيْنِ عَنَاقَيْنِ فِي كُلِّ بَطْنٍ ; فَيُقَالُ : هَذَا وَصِيلَةٌ يَصِلُ كُلَّ ذِي بَطْنٍ بِأَخٍ لَهُ مَعَهُ . وَزَادَ بَعْضُهُمْ , فَقَالَ : وَقَدْ يُوصِلُونَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ وَفِي خَمْسَةٍ وَفِي سَبْعَةٍ . قَالَ : وَالِحَامُ : الْفَحْلُ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ سِنِينَ , فَيُخْلَى , وَيُقَالُ : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ , فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ . قَالَ : وَزَادَ بَعْضُهُمْ , فَقَالَ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ , أَوْ مَا أُنْتِجَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ; فَيُقَالُ : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ . وَقَالَ فِي السَّائِبَةِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ ; [ ثُمَّ قَالَ ] : وَكَانُوا يَرْجُونَ [ بِأَدَائِهِ ] الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً فِي الْأَخْلَاقِ , مَعَ التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فِيهِ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ الْوُلَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } . نَزَلَتْ بِأَنَّ النَّاسَ تَوَارَثُوا : بِالْحِلْفِ [ وَالنُّصْرَةِ ] ; ثُمَّ تَوَارَثُوا : بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ . وَكَانَ الْمُهَاجِرُ يَرِثُ الْمُهَاجِرَ وَلَا يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُهَاجِرًا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ . فَنَزَلَتْ : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } عَلَى مَا فُرِضَ لَهُمْ , [ لَا مُطْلَقًا ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ , نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } نُسِخَ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْفَرَائِضِ . وَقَالَ لِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } الْآيَةُ . قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ , فَلْيَتَّقِ اللَّهَ مَنْ حَضَرَ , وَلْيَحْضُرْ بِخَيْرٍ , وَلْيَخَفْ أَنْ يَحْضُرَ حِينَ يُخْلِفُ هُوَ أَيْضًا بِمَا حَضَرَ غَيْرُهُ . ( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ : الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ , [ مَنْ ] مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ . مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ . وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ مَنْ جَاءَكَ وَلَا تُضِيفُ مَنْ لَا يَقْصِدُ قَصْدَكَ : [ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا ] إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ . وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : تَخْصِيصَ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالْإِجْلَاسِ مَعَهُ , أَوْ تَرْوِيغِهِ لُقْمَةً مِنْ وَلِيَ الطَّعَامَ مِنْ مَمَالِيكِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي ( يَعْنِي فِي الْآيَةِ ) قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ . فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ : [ أَنْ ] يُعْطَوْا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلَا يُوَقَّتُ وَلَا يُحْرَمُونَ .
مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } . قَالَ فَكَانَ فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ . وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ بِالْقُرْآنِ ] أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ : غَيْرِ الْوَارِثِينَ ; فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ حَفِظْتُ [ عَنْهُ ] . قَالَ : الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا , فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ : كَانَتْ تَطَوُّعًا وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كُلُّهُ كَمَا قَالُوا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) [ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ] بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ قَوْلِهِ : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ . } وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ : لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ , فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ , فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . } [ ثُمَّ قَالَ ] : وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ , وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ : تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ . فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ : إذَا قَالَ : دَفَعْتهَا إلَيْكَ , فَالْقَوْلُ : قَوْلُهُ . وَلَوْ قَالَ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ , فَدَفَعْتُهَا ; فَالْقَوْلُ : قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وَقَالَ فِي الْيَتَامَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } . وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ : وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ [ وَصِيٌّ ] وَصَّاهُ الْحَاكِمُ : لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ . وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ : غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ; إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ . [ وَ ] كَذَلِكَ : الْوَصِيُّ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ [ أَبَا الْعَبَّاسِ ] حَدَّثَهُمْ : أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وَقَالَ : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } إلَى قوله تعالى : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا [ مَعًا ] الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِهِمَا , لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ [ لَهُ ] فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ . ثُمَّ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ : الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب . : لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ . وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي قُرَى : عُرَيْنَةَ ; الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ . أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا حَدِيثَ { عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ , فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا , دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ , فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : هَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ; إنَّمَا يَعْنِي عُمَرَ ( رضي الله عنه ) [ بِقَوْلِهِ ] : لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَالِصًا مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ . فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ : [ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ ] . وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْحَشْرِ : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَ , فَإِنَّ الْخُمُسَ إذَا كَانَ لَهُمْ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَلَّمَهُ لَهُمْ . وَاسْتَدْلَلْنَا : إذْ كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } , فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ , لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ . أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ : الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَوَجَدْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) حَكَمَ فِي الْخُمُسِ بِأَنَّهُ عَلَى خَمْسَةٍ ; لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( لِلَّهِ ) مِفْتَاحُ كَلَامٍ : لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ , وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ , وَمِنْ بَعْدُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ ] . فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ : لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ : [ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ ] وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ : حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَيُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى , بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ : شَيْءٌ وَاحِدٌ } . وَهُوَ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ , فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْرِفَةِ , وَالسُّنَنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمَنَّ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُمْ أَوْ يَقْتُلَ , أَوْ يُفَادِيَ , أَوْ يَسْبِيَ . وَسَبِيلُ مَا سَبَى وَمَا أَخَذَ مِمَّا , فَادَى : سَبِيلُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ . وَاحْتَجَّ فِي الْقَدِيمِ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } وَذَلِكَ فِي بَيَانِ اللُّغَةِ : قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أُسَارَى بَدْرٍ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَفْدَاهُمْ : وَالْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَائِمَةٌ . وَعَرَضَ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ : وَهُوَ ( يَوْمئِذٍ ) وَقَوْمُهُ أَهْلُ الْيَمَامَةِ ; حَرْبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ } الْآيَةُ . فَأَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ أَكَّدَهَا [ وَشَدَّدَهَا ] , فَقَالَ : { فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ } . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَيْهِ ] وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وُجِدَ : كَقَوْلِهِ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } الْآيَةُ وَكَقَوْلِهِ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } , وَكَقَوْلِهِ : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } . فَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] فَرَضَ هَذَا : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ . وَكَانَ مَعْقُولًا [ عَنْهُ ] أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ . فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ : قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ مِنْ أَهْلِ [ هَذِهِ ] السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ [ إلَى أَحَدٍ ] : حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا . ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) , قَالَ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تَعَالَى ) فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَا لَهُمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ , [ وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ ] يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَاتُهَا . فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ : الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ , وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ : الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ , وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ . وَالْمَسَاكِينُ : السُّؤَالُ , وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي ( كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ ) الْفَقِيرُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ : تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا ; زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ , سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا . وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ , أَوْ حِرْفَةٌ : [ لَا ] تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ : سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا : الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا : مِنْ السَّعَادَةِ , وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعُونَتِهِ سَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ , أَوْ فُقَرَاءَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : مَنْ وَلَّاهُ الْوَلِيُّ : قَبَضَهَا وَقَسَمَهَا . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ , [ بِقَدْرِ ] غَنَائِهِ : لَا يُزَادُ عَلَيْهِ [ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ . ] . وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ : سَهْمٌ . وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ : أَنْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رضي الله عنه ) أَحْسَبُهُ قَالَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ , فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ ( رضي الله عنه ) مِنْهَا : ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ , بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا . قَالَ : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ؟ غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا , مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ . فَإِمَّا زَادَهُ : لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا صَنَعَ , وَإِمَّا أَعْطَاهُ : لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَا يَثِقُ مِنْهُ , بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ النَّازِلَةِ قَالَ : وَالرِّقَابُ : الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ . قَالَ : وَالْغَارِمُونَ : صِنْفَانِ : ( صِنْفٌ ) : دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ , أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ , ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ : فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي غُرْمِهِمْ : لِعَجْزِهِمْ . ( وَصِنْفٌ ) : دَانُوا فِي حِمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ , وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ : تَحْمِلُ حَمَالَاتِهِمْ أَوْ عَامَّتَهَا وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ : [ مَا يُوَفِّرُ عُرُوضَهُمْ , كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ ] حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ قَالَ : وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ : يُعْطَى مِنْهُ , مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ , فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا قَالَ وَابْنُ السَّبِيلِ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ , فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ , إلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ : لِمَنْ مَرَّ بِمَوْضِعِ الْمُصَّدِّقِ مِمَّنْ يَعْجِزُ عَنْ بُلُوغٍ حَيْثُ يُرِيدُ , إلَّا بِمَعُونَةٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ فِي غَيْرِ رِوَايَتِنَا إنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) قَوْلُهُ : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } . وَقَالَ تَعَالَى :{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } , فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ , وَلَيْسَ هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } فَأَبَانَهُنَّ بِهِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . وَقَوْلُهُ : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ; مِثْلُ مَا وَصَفْتُ مِنْ اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْتُ : مِنْ [ أَنَّ ] اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا مِنْ , فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنَّ شَرَائِعَ وَاخْتِلَافَهَا , عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَقَوْلُهُ : { أُمَّهَاتُهُمْ } ; يَعْنِي : فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ , وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتٍ : لَوْ كُنَّ لَهُنَّ ; كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ : اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ , [ أَ ] و أَرْضَعْنَهُمْ . وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي هَذَا , ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ فِي النَّازِلَةِ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ ; كَالْعَامَّةِ فِي الظَّاهِرِ : وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ مَا سِوَاهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ : تَرُبُّ أَمْرَهُمْ . أُمُّنَا وَأُمُّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ كَذَلِكَ لِلرَّجُلِ : [ يَتَوَلَّى ] أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمُّ الْعِيَالِ ; بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ الَّتِي تَرُبُّ [ أَمْرَ ] الْعِيَالِ . قَالَ : تَأَبَّطَ شَرًّا وَهُوَ يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا : وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ وَأُمُّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْت تَقُوتُهُمْ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْبَيْتِ , وَبَيْتَيْنِ أَخَوَيْنِ مَعَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قُلْتُ : الرَّجُلُ يُسَمَّى أُمًّا , وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّاقَةِ , وَالْبَقَرَةِ , وَالشَّاةِ وَالْأَرْضِ : هَذِهِ أُمُّ عِيَالِنَا ; عَلَى مَعْنَى : الَّتِي تَقُوتُ عِيَالَنَا . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ } . يَعْنِي أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ ; الْوَارِثَاتُ [ وَ ] الْمَوْرُوثَاتُ , الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ : اللَّائِي لَمْ يَكُنَّ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ . لَيْسَ : اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ , فِيكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ [ وَقَدْ كُنَّ قَبْلَ إرْضَاعِهِ , غَيْرَ أُمَّهَاتٍ لَهُ ] , وَلَا أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ [ عَامَّةً : يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أَوْ يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أَوْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ] حَرُمْنَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ , ثُمَّ قَالَ : وَفِي هَذَا : دَلَالَةٌ عَلَى أَشْبَاهٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ , جَهِلَهَا مَنْ قَصُرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ , فَقَالَ : { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } . وَالْحَصُورُ : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ , [ وَلَمْ يَنْدُبْهُ إلَى النِّكَاحِ ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَتْمٌ لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى , وَالْحَرَائِرُ : الْبَوَالِغُ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ , وَدُعُوا إلَى رَضِيٍّ مِنْ الْأَزْوَاجِ . أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنَّ مُبْتَدَأَ الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ . فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ : [ عَلَى ] أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضَلِ الْأَوْلِيَاءَ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ , فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا , فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لَا سَبِيلَ وَلَا شِرْكَ لَهُ [ فِي أَنْ يَعْضُلَهَا ] فِي بَعْضِهَا ؟ , . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ يَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } الْآيَةُ . يَعْنِي إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ ; لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا , أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهَا أَنْ تَنْكِحَ , لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } , فَلَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ ; مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ . إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا , مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ [ مِنْ ] مَنْعِهَا . قَالَ : وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا , فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا , ثُمَّ : طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ , فَقَالَ : زَوَّجْتُكَ دُونَ غَيْرِكَ أُخْتِي , ثُمَّ : طَلَّقْتهَا , لَا أُنْكِحُكَ أَبَدًا . فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } . قَالَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا وَفِيهَا : دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الْمُزَوَّجِ وَالْمُزَوَّجَةِ قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : هَذَا الَّذِي نَقَلْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى هَا هُنَا . بَعْضُهُ فِي مَسْمُوعٍ لِي : قِرَاءَةً عَلَى شَيْخِنَا وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ فِي النَّقْلِ فَرَوَيْت الْجَمِيعَ بِالْإِجَازَةِ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَاحْتَجَّ ( أَيْضًا ) فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } وَبِقَوْلِهِ ( تَعَالَى ) فِي الْإِمَاءِ : { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } قَالَ : وَدَلَّتْ أَحْكَامُ اللَّهِ , ثُمَّ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ لَا مِلْكَ لِلْأَوْلِيَاءِ [ آبَاءً كَانُوا أَوْ غَيْرُهُمْ ; ] عَلَى أَيَامَاهُمْ وَأَيَامَاهُمْ : الثَّيِّبَاتُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وَقَالَ ( تَعَالَى ) فِي الْمُعْتَدَّاتِ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } الْآيَةُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا , وَإِذْنُهَا : صُمَاتُهَا } [ مَعَ مَا ] سِوَى ذَلِكَ وَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَمَالِيكَ لِمَنْ مَلَكَهُمْ , [ وَأَنَّهُمْ ] لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ شَيْئًا ] . وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا عَلَى إيجَابِ [ إنْكَاحِ ] صَالِحِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ , كَمَا وَجَدْتُ الدَّلَالَةَ عَلَى إنْكَاحِ الْحَرَائِرِ إلَّا مُطْلَقًا . فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْكَحَ [ مَنْ بَلَغَ ] مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ , ثُمَّ صَالِحُوهُمْ خَاصَّةً وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ أُرِيدَ بِهَا : الدَّلَالَةُ لَا الْإِيجَابُ . وَذَهَبَ فِي الْقَدِيمِ : إلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ : إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } ; بِأَنْ قَالَ : إنَّمَا هَذَا عِنْدَنَا عَبْدٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا ; فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقَدْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ ( مِنْهَا ) مَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ : مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تُتْلِفُهُ [ أَ ] و تَنْقُصُهُ . ( وَمِنْهَا ) مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ : جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِقْرَارُهُ فَإِنْ اعْتَلَّ بِالْإِذْنِ فَالشِّرَى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَمْلِكُ بِأَحَدٍ الْإِذْنَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ بِالْآخَرِ ؟ , . ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا , فِي الْجَدِيدِ , وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَذَكَرَ قوله تعالى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَى ] أَنَّ مَا أَبَاحَ مِنْ الْفُرُوجِ فَإِنَّمَا أَبَاحَهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : النِّكَاحُ أَوْ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ , فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَالِكًا بِحَالٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالُوا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ; نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } ; فَهِيَ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : فَهَذَا : كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ دَلَائِلُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) سَائِرَ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي ( الْمَبْسُوطِ ) , وَفِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرو نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا : الْأَحْرَارُ . لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ لِأَنَّهُ ] لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَحْرَارَ . وقوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } , فَإِنَّمَا يَعُولُ مَنْ لَهُ الْمَالُ وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلَا الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ [ ثُمَّ ] قَالَ : فَأَسْمَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) النِّكَاحَ , اسْمَيْنِ : النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ . وَذَكَرَ آيَةَ الْهِبَةِ وَقَالَ : فَأَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الْهِبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) دُونَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَالْهِبَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) تُجْمَعُ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ [ عَلَيْهَا ] عُقْدَةُ النِّكَاحِ ; بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ , إلَّا بِاسْمِ : النِّكَاحِ , [ أَ ] و التَّزْوِيجِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ . وَاحْتَجَّ [ فِي ] كُلٍّ بِمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) ; ثُمَّ قَالَ : وَحَرَّمْنَا بِالرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ : قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّهُ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ . } وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } . كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ . فَنَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَحَدٌ : يَجْمَعُ فِي عُمْرِهِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ , أَوْ يَنْكِحَ مَا نَكَحَ أَبَاهُ ; إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ . لَيْسَ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ , مَا كَانُوا قَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ . [ كَمَا أَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ : الَّذِي لَا يَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ بِحَالٍ ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً , فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ , أَوْ طَلَّقَهَا [ فَأَبَانَهَا ] فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ نِكَاحِ أُمِّهَا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } . زَادَ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ : لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ ; إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . بِأَنَّ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ : مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ , [ حَتَّى يُفَارِقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ أَوْ , فَسْخِ نِكَاحٍ . ] إلَّا السَّبَايَا : [ فَإِنَّهُنَّ مُفَارِقَاتٌ لَهُنَّ بِالْكِتَابِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْإِجْمَاعِ . ] . وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِحَدِيثِ { أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : أَصَبْنَا سَبَايَا : لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الشِّرْكِ , فَكَرِهْنَا أَنْ نَطَأَهُنَّ , فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ ; فَنَزَلَ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } } احْتَجَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانُ , فَإِنْ قَبِلْنَ , وَأَقْرَرْنَ [ بِهِ ] : فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ . وَكَذَلِكَ عِلْمُ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرُ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } يَعْنِي : بِسَرَائِرِهِنَّ فِي إيمَانِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرَةٍ [ مِنْ ] أَهْلِ مَكَّةَ , فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ : ابْنَةَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ : أَهْلُ أَوْثَانٍ . وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ; قَدْ نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرِ أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ .
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ : الَّذِينَ هُمْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ; فَحَرَّمَ : نِكَاحَ نِسَائِهِمْ , كَمَا حَرَّمَ أَنْ يَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ . وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ [ بَعْدَهَا ] : فِي إحْلَالِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً , كَمَا جَاءَتْ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قَالَ : فَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أُبِيحَ [ فِيهِ ] نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقَالَ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } [ إلَى قَوْلِهِ ] : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } الْآيَةُ قَالَ فَفِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا : الْأَحْرَارُ ; دُونَ الْمَمَالِيكِ ; لِأَنَّهُمْ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ , الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ . وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ , طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ , وَالْعَنَتُ : الزِّنَا . قَالَ : وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى مَا شَرَطَ : لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ . دَلَالَةٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا : لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ , مَعَ إيمَانِهِنَّ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي الْحُجَّةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ . يَعْنِي : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } , فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ : لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ . عَلِمْتُهُ . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّهُ [ اللَّهُ ] لَنَا مِنْ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي كِتَابِهِ لَا أَنَّهُ أَبَاحَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ بُلُوغُ الْكِتَابِ أَجَلَهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ . قَالَ : وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ : فِي الْعِدَّةِ , فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَظَرَ التَّصْرِيحَ فِيهَا . قَالَ تَعَالَى : { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) جِمَاعًا ; { إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } حَسَنًا لَا فُحْشَ فِيهِ . وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : رَضِيتُك ; إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا يُرْضِي مَنْ جُومِعَهُ . وَكَانَ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيضًا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ : لِقُبْحِهِ وَمَا عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا تَفْهَمُ الْمَرْأَةُ بِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا . فَجَائِزٌ لَهُ , وَكَذَلِكَ : التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ [ لَهُ ] , جَائِزٌ لَهَا . قَالَ : وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِيهَا : الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةِ الزَّوْجِ وَلَا يَبِينُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ : الَّذِي لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ , الرَّجْعَةَ وَاحْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ السِّرَّ : الْجِمَاعُ . بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ [ ثُمَّ قَالَ ] : فَإِذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ : وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ , جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى : الْجِمَاعُ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِيَ عَلَى الْمَرْءِ عِرْسَهُ وَأَمْنَعُ عِرْسِي أَنْ يُزَنَّ بِهَا الْخَالِي وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ : كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا خُزِنَ الْحَدِيثُ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ , فَخَزْنُ الْحَدِيثِ : [ أَنْ ] لَا يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً فَإِذَا وَصَفَهَا بِهَذَا : فَلَا مَعْنَى لِلْعَفَافِ غَيْرَ الْأَسْرَارِ ; [ وَ ] الْأَسْرَارُ : الْجِمَاعُ . وَهَذَا : فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ , فَذَكَرَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } . يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) الطَّهَارَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ لَهَا : [ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) وَتَحْرِيمُ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ لِأَذَى الْحَيْضِ . كَالدَّلَالَةِ عَلَى : [ أَنَّ ] إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ : وَبَيَّنَ أَنَّ مَوْضِعَ الْحَرْثِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ , وَأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَبَاحَ الْإِتْيَانَ فِيهِ , إلَّا فِي وَقْتِ الْحَيْضِ . وَ { أَنَّى شِئْتُمْ } مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ . قَالَ : وَإِبَاحَةُ الْإِتْيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ , يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ : تَحْرِيمَ إتْيَانٍ [ فِي ] غَيْرِهِ وَالْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ : حَتَّى يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الْإِتْيَانِ فِي الْقُبُلِ مُحَرَّمٌ : بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ , ثُمَّ السُّنَّةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إجَازَةً عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } . فَكَانَ بَيِّنًا فِي ذِكْرِ حِفْظِهِمْ لِفُرُوجِهِمْ , إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ , أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ تَحْرِيمُ مَا سِوَى الْأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ ; دُونَ الْبَهَائِمِ . ثُمَّ أَكَّدَهَا , فَقَالَ : { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } فَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ , إلَّا فِي زَوْجَةٍ , أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَ [ قَالَ ] فِي قَوْلِهِ : { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } مَعْنَاهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لِيَصْبِرُوا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ . وَهُوَ : كَقَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي مَالِ الْيَتِيمِ : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } لِيَكُفَّ عَنْ أَكْلِهِ بِسَلَفٍ , أَوْ غَيْرِهِ . قَالَ : وَكَانَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } . بَيَانُ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا : الرِّجَالُ لَا : النِّسَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ [ لِلْمَرْأَةِ ] : أَنْ تَكُونَ مُتَسَرِّيَةً بِمَا مَلَكَتْ يَمِينُهَا ; لِأَنَّهَا مُتَسَرَّاةٌ أَوْ مَنْكُوحَةٌ لَا نَاكِحَةٌ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وَقَالَ : { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } . وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الصَّدَاقِ , ثُمَّ قَالَ : فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) الْأَزْوَاجَ بِأَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ [ هُوَ ] : الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هُوَ : الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ : تُسَمَّى بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِصَدَاقٍ , مَنْ فَرَضَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ : دَخَلَ , أَوْ لَمْ يَدْخُلْ . لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ , فَلَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْهُ , إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ [ لَهُ ] وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ : وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَيَحْتَمِلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَا يَلْزَمُ أَبَدًا , إلَّا بِأَنْ يُلْزِمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ , أَوْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ : وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا . فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَ , كَانَ أَوْلَاهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ كِتَابٍ , أَوْ سُنَّةٍ , أَوْ إجْمَاعٍ . فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } . أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ [ يَصِحُّ ] بِغَيْرِ , فَرِيضَةِ صَدَاقٍ , وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ عَقَدَ نِكَاحَهُ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ عَلَى النَّاكِحِ الْوَاطِئِ , صَدَاقًا بِفَرْضِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْإِمَاءِ أَنْ يُنْكَحْنَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَيُؤْتَيْنَ أُجُورَهُنَّ وَالْأَجْرُ : الصَّدَاقُ . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [ خَالِصَةً بِهِبَةٍ وَلَا مَهْرَ , فَأَعْلَمَ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) دُونَ الْمُؤْمِنِينَ . ] . وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُرِيدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) النِّكَاحَ وَالْمَسِيسَ بِغَيْرِ مَهْرٍ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) أَنْ يَنْكِحَ , فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مَعَ دَلَالَةِ الْآيِ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } يَعْنِي : النِّسَاءُ . [ وَفِي قَوْلِهِ ] : { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } يَعْنِي : الزَّوْجُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو مَنْ لَهُ مَا يَعْفُوهُ . وَرَوَاهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( رضي الله عنه ) وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ : وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى , يَقُولُ : الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ : الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ , وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ , فَعَفَوْهُ جَائِزٌ .
( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } الْآيَةُ . فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِنَا : الْمُتْعَةُ [ هِيَ ] : لِلَّتِي [ لَمْ ] يُدْخَلْ بِهَا [ قَطُّ ] وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ , وَطَلُقَتْ وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا : الْمَفْرُوضِ لَهَا ; بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ . وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ ) : فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا , وَلَا مُتْعَةَ [ لَهَا ] فِي قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَا مُتْعَةَ لِلَّتِي فُرِضَ لَهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ وَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَرُوِيَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا إسْنَادَهُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) وَحَمَلَ الْمَسِيسَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } عَلَى الْوَطْءِ . وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَهُوَ بِتَمَامِهِ , مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) ( وَالْمَبْسُوطِ ) ; مَعَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ : وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إتْيَانُ ذَلِكَ بِمَا يَحْسُنُ لَكَ ثَوَابُهُ وَكَفُّ الْمَكْرُوهِ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( فِيمَا هُوَ لِي بِالْإِجَازَةِ ; عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ) : وَفَرَضَ اللَّهُ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ , وَأَدَاؤُهُ إلَيْهِ بِطِيبِ النَّفْسِ لَا بِضَرُورَتِهِ إلَى طَلَبِهِ وَلَا : تَأْدِيَتِهِ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَأْدِيَتِهِ وَأَيُّهُمَا تَرَكَ فَظُلْمٌ ; لِأَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ , وَمَطْلُهُ تَأْخِيرُ الْحَقِّ . قَالَ : وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [ أَيْ ] : فَمَا لَهُنَّ مِثْلُ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ . وَفِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ : وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ : كَفُّ الْمَكْرُوهِ وَإِعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ , لَا بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ فِي تَأْدِيَتِهِ فَأَيُّهُمَا مَطَلَ بِتَأْخِيرِهِ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ . وَهَذَا مِمَّا كَتَبَ إلَيَّ أَبُو نُعَيْمٍ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ , فَذَكَرَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } .
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ , كَانَتْ عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا ; إمَّا كِبْرًا أَوْ غَيْرُهُ فَأَرَادَ طَلَاقَهَا , فَقَالَتْ : لَا تُطَلِّقْنِي , وَأَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } الْآيَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أَنْ تَعْدِلُوا بِمَا فِي الْقُلُوبِ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَمْلِكُونَ مَا فِي الْقُلُوبِ : حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوِيًا . وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : كَمَا قَالُوا وَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ , عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ تَقُلْ أَوْ تَعْمَلْ وَجَعَلَ الْمَأْثَمَ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ . وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { , فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } إنْ تُجُوِّزَ لَكُمْ عَمَّا فِي الْقُلُوبُ فَتَتَّبِعُوا أَهْوَاءَهَا , فَتَخْرُجُوا إلَى الْأَثَرَةِ بِالْفِعْلِ : { فَتَذْرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } . وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدِي كَمَا قَالُوا . وَعَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : , فَقَالَ : { فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَيَصِيرَ الْمَيْلُ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ لَكُمْ : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } . وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا عِنْدِي بِمَا قَالُوا ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) تَجَاوَزَ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْأَفْعَالَ وَالْأَقَاوِيلَ وَإِذَا مَالَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ ( مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ ) حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } إلَى قَوْلِهِ { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَوْلُهُ ] : { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } يَحْتَمِلُ إذَا رَأَى الدَّلَالَاتِ فِي أَفْعَالِ الْمَرْأَةِ وَأَقَاوِيلِهَا عَلَى النُّشُوزِ وَكَانَ لِلْخَوْفِ مَوْضِعٌ أَنْ يَعِظَهَا , فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا , فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَهَا وَذَلِكَ : أَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ إذَا رُئِيَتْ أَسْبَابُهُ وَأَنْ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا عَلَيْهَا تَضُرُّ بِهَا وَإِنَّ الْعِظَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ [ مِنْ الْمَرْءِ ] لِأَخِيهِ فَكَيْفَ لِامْرَأَتِهِ ؟ , . وَالْهَجْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ ; لِأَنَّ الْهَجْرَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ , فَوْقَ ثَلَاثٍ . وَالضَّرْبُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَيَانِ الْفِعْلِ [ فَالْآيَةُ فِي الْعِظَةِ , وَالْهَجْرَةِ وَالضَّرْبِ عَلَى بَيَانِ الْفِعْلِ ] : تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَالَاتِ الْمَرْأَةِ فِي اخْتِلَافِ مَا تُعَاتَبُ فِيهِ وَتُعَاقَبُ مِنْ الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا اخْتَلَفَ ; فَلَا يُشْبِهُ مَعْنَاهَا إلَّا مَا وَصَفْت . وَقَدْ يَحْتَمِلُ قوله تعالى : { تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } إذَا نَشَزْنَ , فَخِفْتُمْ لَجَاجَتَهُنَّ فِي النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ , وَالْهَجْرَةِ وَالضَّرْبِ . وَبِإِسْنَادِهِ , قَالَ [ قَالَ ] : الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } الْآيَةُ . اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ خَوْفِ الشِّقَاقِ الَّذِي إذَا بَلَغَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَاَلَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرَ الْآيَةِ , فَمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ [ مَعًا حَتَّى يَشْتَبِهَ فِيهِ حَالَاهُمَا مِنْ الْإِبَايَةِ . ] [ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَذِنَ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ ] بِأَنْ يَصْطَلِحَا , وَأَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ [ اللَّهِ ] بِالْخُلْعِ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : فَلَمَّا أَمَرَ فِيمَنْ خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُ بِالْحَكَمَيْنِ ; دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا [ غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا ] أَنْ يَشْتَبِهَ حَالَاهُمَا فِي الشِّقَاقِ , فَلَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ : الصُّلْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَيَصِيرَانِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ . إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَيَتَمَادَيَانِ فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا , فَلَا يُعْطِيَانِ حَقًّا وَلَا يَتَطَوَّعَانِ [ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا , بِأَمْرٍ يَصِيرَانِ بِهِ فِي مَعْنَى الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا ] فَإِذَا كَانَ هَكَذَا بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا . وَلَا يَبْعَثُهُمَا إلَّا مَأْمُونِينَ , وَبِرِضَا الزَّوْجَيْنِ . وَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ بِأَنْ يُجَمِّعَا , أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ , ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ : وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : يُجْبِرُهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى الْحَكَمَيْنِ ; كَانَ مَذْهَبًا .
وَبِإِسْنَادِهِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } يُقَالُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَكْرَهُ الْمَرْأَةَ , فَيَمْنَعُهَا : كَرَاهِيَةً لَهَا حَقَّ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَحْبِسُهَا مَانِعًا حَقَّهَا لِيَرِثَهَا ; عَنْ [ غَيْرِ ] طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا , بِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا عَلَى الْمَنْعِ فَحَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحَرَّمَ عَلَى الْأَزْوَاجِ : أَنْ يَعْضُلُوا النِّسَاءَ لِيَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا أُوتِينَ وَاسْتَثْنَى : { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } [ وَإِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ] وَهِيَ : الزِّنَا . فَأَعْطَيْنَ بَعْضَ مَا أُوتِينَ : لِيُفَارِقْنَ حَلَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَلَمْ يَكُنْ مَعْصِيَتُهُنَّ الزَّوْجَ فِيمَا يَجِبُ لَهُ بِغَيْرِ , فَاحِشَةٍ : أَوْلَى أَنْ يُحِلَّ مَا أَعْطَيْنَ مِنْ أَنْ يَعْصِينَ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَالزَّوْجَ , بِالزِّنَا . قَالَ : وَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي اللَّائِي : يَكْرَهُهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ , وَلَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ أَنْ يُعَاشَرْنَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ : تَأْدِيَةُ الْحَقِّ وَإِجْمَالُ الْعِشْرَةِ
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } فَأَبَاحَ عِشْرَتَهُنَّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ بِالْمَعْرُوفِ , وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَدْ يَجْعَلُ فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا . وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ : الْأَجْرُ فِي الصَّبْرِ وَتَأْدِيَةُ الْحَقِّ إلَى مَنْ يَكْرَهُ , أَوْ التَّطَوُّلُ عَلَيْهِ وَقَدْ يَغْتَبِطُ : وَهُوَ كَارِهٌ لَهَا بِأَخْلَاقِهَا وَدِينِهَا , وَكَفَاءَتِهَا وَبَذْلِهَا وَمِيرَاثٍ إنْ كَانَ لَهَا وَتُصْرَفُ حَالَاتُهُ إلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا , بَعْدَ الْغِبْطَةِ [ بِهَا ] . وَذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ : لِي مَسْمُوعٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ فِيهِ : وَقِيلَ : إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَفِي مَعْنَى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } نُسِخَتْ بِآيَةِ الْحُدُودِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى امْرَأَةٍ , حَبْسٌ يُمْنَعُ [ بِهِ ] حَقُّ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَكَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ : نَسْخَ الْحَبْسِ عَلَى مَنْعِ حَقِّهَا إذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَكَانَ فِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ إبَاحَةُ أَكْلِهِ إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ . [ قَدْ ] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي [ كَتَبْنَا ] قَبْلَهَا . فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا : لِتُعْطِيهِ فِدْيَةً مِنْهُ , وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } . فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الرَّجُلَ : حَتَّى تَخَافَ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ أَوْ أَكْثَرِهِ إلَيْهِ . وَيَكُونُ الزَّوْجُ غَيْرَ مَانِعٍ لَهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا : حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَا مَعًا مُقِيمِينَ حُدُودَ اللَّهِ . وَقِيلَ : وَ [ هَكَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ . ] } إذَا حَلَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ [ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَرْأَةِ ] , وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ حَالٍ : [ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا . وَإِذَا حَلَّ لَهُ ] وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ , ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ , فَتَخَافُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إذَا مَنَعَتْهُ حَقًّا فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ : الْمَانِعَةُ لِبَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ , الْمُفْتَدِيَةُ : تَحَرُّجًا مِنْ أَنْ لَا تُؤَدِّيَ حَقَّهُ , أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا : حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ .